فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {قال رب أرني} يقول: أعطني أنظر إليك.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة {قال رب أرني أنظر إليك} قال: لما سمع الكلام طمع في الرؤية.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: حين قال موسى لربه تبارك وتعالى: {رب أرني أنظر إليك} قال الله له: يا موسى إنك لن تراني. قال: يقول ليس تراني. قال: لا يكون ذلك أبدًا يا موسى إنه لا يراني أحد فيحيا. فقال موسى: رب أن أراك ثم أموت أحبُ إليَّ من أن لا أراك ثم أحيا. فقال الله لموسى: يا موسى أنظر إلى الجبل العظيم الطويل الشديد {فإن استقر مكانه} يقول: فإن ثبت مكانه لم يتضعضع ولم ينهد لبعض ما يرى عظمى {فسوف تراني} أنت لضعفك وذلتك، وإن الجبل تضعضع وأنهد بقوّته وشدته وعظمه فأنت أضعف وأذل.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {رب أرني أنظر إليك} قال: «قال الله عز وجل: يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده، ولا رطب إلا تفرق، وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم».
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإنه أكبر منك وأشد خلقًا. قال: {فلما تجلى ربه للجبل} فنظر إلى الجبل لا يتمالك وأقبل الجبل يندك على أوّله، فلما رأى موسى ما يصنع الجبل خرَّ موسى صعقًا.
وأخرج أبو مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما أوحى الله إلى موسى بن عمران: إني مكلمك على جبل طور سيناء، صار من مقام موسى إلى جبل طور سيناء أربعة فراسخ في أربعة فراسخ، رعد وبرق وصواعق فكانت ليلة قر، فجاء موسى حتى وقف بين يدي صخرة جبل صور سيناء، فإذا هو بشجرة خضراء، الماء يقطر منها وتكاد النار تلفح من جوفها، فوقف متعجبًا فنودي من جوف الشجرة: يا ميشا. فوقف موسى مستمعًا للصوت...؟! فقال موسى: من هذا الصوت العبراني يكلمني؟! فقال الله له: يا موسى إني لست بعبراني، إني أنا الله رب العالمين. فكلم الله موسى في ذلك المقام بسبعين لغة، ليس منها لغة إلا وهي مخالفة للغة الأخرى، وكتب له التوراة في ذلك المقام، فقال موسى: إلهي أرني أنظر إليك. قال: يا موسى إنه لا يراني أحد إلا مات. فقال موسى: إلهي أرني إليك وأموت فأجاب موسى جبل طور سيناء: يا موسى بن عمران لقد سألت أمرًا عظيمًا، لقد ارتعدت السموات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن، وزالت الجبال واضطربت البحار لعظم ما سألت يا ابن عمران. فقال موسى وأعاد الكلام: رب أرني أنظر إليك. فقال: يا موسى أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فإنك تراني {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا وخرّ موسى صعقًا} مقدار جمعة، فلما أفاق موسى مسح التراب عن وجهه وهو يقول: {سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين} فكان موسى بعد مقامه لا يراه أحد إلا مات، واتخذ موسى على وجهه البرقع فجعل يكلم الناس بقفاه، فبينا موسى ذات يوم في الصحراء فإذا هو بثلاثة نفر يحفرون قبرًا حتى انتهوا إلى الضريح، فجاء موسى حتى أشرف عليهم فقال لهم: لمن تحفرون هذا القبر؟ قالوا له: الرجل كأنه أنت أو مثلك أو في طولك أو نحوك. فلو نزلت فقدرنا عليك هذا الضريح. فنزل موسى فتمدد في الضريح، فأمر الله الأرض فانطبقت عليه».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق عن أنس بن مالك. أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا} قال: «هكذا، وأشار بأصبعيه ووضع طرف إبهامه على أنملة الخنصر. وفي لفظ: على المفصل الأعلى من الخنصر، فساخ الجبل {وخرّ موسى صعقًا} وفي لفظ: فساخ الجبل في الأرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة».
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه من طريق ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {فلما تجلى ربه للجبل} قال: «أظهر مقدار هذا، ووضع الإِبهام على خنصر الأصبع الصغرى، فقال حميد: يا أبا محمد ما تريد إلى هذا؟ فضرب في صدره وقال: من أنت يا حميد، وما أنت يا حميد؟! يحدثني أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول أنت؟ ما تريد إلى هذا؟».
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: الجبل الذي أمر الله ينظر إليه: الطور.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الرؤية عن ابن عباس {فلما تجلى ربه للجبل} قال: ما تجلى إلا قدر الخنصر {جعله دكًا} قال: ترابًا {وخرّ موسى صعقًا} قال: مغشيًا عليه.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما تجلى الله لموسى كان يبصر دبيب النملة على الصفا في الليلة الظلماء من مسيرة عشرة فراسخ».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أنس بن مالك. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل، فوقعت ثلاثة بالمدينة، أحد، وورقان، ورضوى. وبمكة حراء، وثبير، وثور».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما تجلى الله لموسى تطايرت سبعة جبال. ففي الحجاز منها خمسة وفي اليمن إثنان، وفي الحجاز أحد، وثبير وحراء، وثور، وورقان، وفي اليمن حصور، وصير».
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب في قوله: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا} قال: اسمع موسى قال له: إني أنا الله قال: وذاك عشية عرفة، وكان الجبل بالموقف فانقطع على سبع قطع: قطعة سقطت بين يديه وهو الذي يقوم الإِمام عنده في الموقف يوم عرفة، وبالمدينة ثلاثة طيبة، وأحد، ورضوى، وطور سيناء بالشام. وإنما سمي الطور: لأنه طار في الهواء إلى الشام.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا} قال: «أخرج خنصره».
وأخرج ابن مردويه عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاء} مثقلة ممدودة».
وأخرج ابن مردويه والحاكم وصححه عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {دكًا} منوّنة ولم يمده».
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلما تجلى ربه للجبل طارت لعظمته ستة أجبل، فوقعن بالمدينة: أحد، وورقان، ورضوى، ووقع بمكة ثور، وثبير، وحراء».
وأخرج ابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عباس. أن موسى لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه، فسأله فقال: {لن تراني ولكن انظر إلى الجبل} قال: فحف حول الجبل بالملائكة، وحف حول الملائكة بنار، وحف حول النار بملائكة، وحف حولهم بنار، ثم تجلى ربك للجبل تجلى منه مثل الخنصر، فجعل الجبل دكًا وخر موسى صعقًا، فلم يزل صعقًا ما شاء الله، ثم إنه أفاق فقال: {سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين} يعني أوّل المؤمنين من بني إسرائيل.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {فلما تجلى ربه للجبل} قال: كشف بعض الحجب.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة أنه كان يقرأ هذا الحرف {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا} قال: كان حجرًا أصم، فلما تجلى له صار تلًا ترابًا دكًا من الدكوات.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن سفيان في قوله: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا} قال: ساخ الجبل إلى الأرض حتى وقع البحر فهو يذهب بعد.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي معشر قال: مكث موسى أربعين ليلة لا ينظر إليه أحد إلا مات من نور رب العالمين، ومصداق ذلك في كتاب الله: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا} قال: ترابًا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عروة بن رويم قال: كانت الجبال قبل أن يتجلى الله لموسى على الطور صمًا ملسًا ليس فيها كهوف ولا شقوق، فلما تجلى الله لموسى على الطور صار الطور دكًا، وتفطرت الجبال فصارت فيها هذه الكهوف والشقوق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله: {دكًا} قال: الأرض المستوية.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة {جعله دكًا} قال: دك بعضه بعضًا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {وخر موسى صعقًا} قال: غشي عليه إلا أن روحه في جسده {فلما أفاق قال} لعظم ما رأى {سبحانك} تنزيهًا لله من أن يراه {تبت إليك} رجعت عن الأمر الذي كنت عليه {وأنا أول المؤمنين} يقول: أول المصدقين الآن لا يراك أحد.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس {وأنا أوّل المؤمنين} يقول: أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وخر موسى صعقًا} أي ميتًا {فلما أفاق} قال: ردَّ الله عليه روحه ونفسه {قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المومنين} أنه لن تراك نفس فتحيا وإليها يفزع كل عالم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {تبت إليك} قال: من سؤالي إياك الرؤية {وأنا أول المؤمنين} قال: أول قومي إيمانًا.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي العالية في قوله: {وأنا أوّل المؤمنين} قال: قد كان إذن قبله مؤمنون ولكن يقول: أنا أول من آمن بأنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن مردويه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تخيروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوِزيَ بصعقة الطور». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَلَمَّا جَاءَ موسى لِمِيقَاتِنَا}.
اللام في لِمِيقَاتِنَا للاختصاص، وكذا في قوله تعالى: {لِدُلُوكِ الشمس} [الإسراء: 78]، وليست بمعنى عند.
قوله: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}، هذه الفائدة التي لأجلها حضر موسى- عليه الصَّلاة والسَّلام- الميقات واختلفُوا في أنَّهُ تعالى كلَّمَ مُوسَى وحدَه، أو مع أقوام آخرين.
قوله: {أرنِي} مفعولُه الثَّانِي محذوفٌ، تقديره: أرني نَفسكَ، أو ذاتكَ المقدَّسةَ، وإنَّما حذفهُ مبالغةً في الأدب، حيثُ لم يواجِهْهُ بالتَّصريح بالمفعول، وأصل {أرِني} أرْإنِي فنُقِلَتْ حركةُ الهمزة، وقد تقدَّم تَحْريرُه.
قوله: {لَن تَرَانِي} قد تقدَّم أنَّ {لَنْ} لا يلزم مِنْ نَفْيِهَا التَّأبِيدُ، وإن كان بعضُهم فهم ذلك، حتى إنَّ ابن عطيَّة قال فلو بَقينَا على هذا النَّفي المجرَّد لتضمن أنَّ موسى لا يراه أبَدًا، ولا في الآخرة لكن ورد من جهةٍ أخرى في الحدث المتواتر أنَّ أهلَ الجنَّةِ يَرَوْنَهُ.
قال شهابُ الدِّينِ: وعلى تقدير أنّ {لَنْ} ليست مقتضيةً للتَّأبيد، فكلامُ ابْنِ عطيَّة وغيره مِمَّنْ يقولُ: إنَّ نفيِ المستقبل بعدها يَعُمُّ جميع الأزمنة المستقبلة- صحيح، لكن لِمَدْرَكٍ آخَرَ، وهو أنَّ الفعلَ نكرةٌ، والنكرةُ في سياق النَّفي تَعُمُّ، وللبحث فيه مجال.